الخميس، 25 يونيو 2009

أبن الاثير الجزري والنسب الرفاعي

أبن الاثير الجزري والنسب الرفاعي المزعوم


عرضنا سابقاً بطلان النسب العلوي المزعوم للشيخ احمد الرفاعي. ورغم انَّ الشيخ احمد الرفاعي قد توفى سنة 578هـ ورغم أنَّ جده المفترض أنه جد عموم الرفاعيين وأعني به "الحسن رفاعة" قد توفى سنة 331هـ ، ورغم أنَّ القصة الاسطورية التي تتناقلها كتب الدعاية الرفاعية تزعم أنَّ يحيى بن ثابت (من أجداد أحمد الرفاعي) وابن عمه حسن بن محمد عسلة قد ذهبا الى مكة وعلقا نسبهما على الكعبة المشرفة سنة 450 هـ ، إلا أنَّ العديد من المؤرخين لم يسمعا بهذه الاسطورة ولم يذكروا لأحمد الرفاعي نسباً علوياً ، بل نجد أنَّ عز الدين أبن الاثير الجزري (المتوفى سنة 630هـ) في كتابه (اللباب في تهذيب الانساب) حينما ذكر لقب (الرفاعي) في باب الراء والفاء (ج2 ص32) فإنَّه لم يتطرق لذكر الرفاعيين رهط الشيخ احمد الرفاعي على الاطلاق فهم الى زمانه يبدو انهم كانوا غير معروفين كأسرة واحدة بارزة رغم ان جدهم (الحسن رفاعة) قد توفي بزعمهم سنة 331هـ ورغم مزاعم تعليق النسب العلوي المزعوم على الكعبة المشرفة سنة 450هـ فإنَّ أبن الاثير لم يعرف هذه العائلة الرفاعية ، بل إنَّ علم الانساب والمجتمع

المسلم لم يكن الى ذلك الوقت قد عرف العائلة الرفاعية وكأن العائلة المذكورة لم تكن قد ظهرت الى الوجود !!!
يقول أبن الاثير في المصدر المذكور:
(الرفاعي: بكسر الراء وفتح الفاء وبعد الالف عين مهملة ، هذه النسبة الى الجد الاعلى واشتهر بهذه النسبة أبو هشام محمد بن يزيد بن محمد بن كثير بن رفاعة بن سماعة الكوفي ، روى عن أبي بكر بن عياش ووكيع وغيرهما ، روى عنه البخاري ومسلم وغيرهما ، ولي القضاء ببغداد ومات بها سلخ سنة أربعين ومائتين. قلت: ذكر السمعاني جماعة وقال فيهم الرفاعي ، ولم يصل نسبهم الى الجد الذي اسمه رفاعة حتى يعلم هل كل واحد من المنسوب اليه غير الآخر ام هو هو فتركناهم.
وقد فاته:
الرفاعي: نسبة الى رفاعة بن نصر بن مالك بن غطفان بن قيس بن جهينة بن زيد ، بطن من جهينة. وممن ينسب إليه عمرو بن مرة بن عبس بن مالك بن المحرث بن مازن بن سعد بن مالك بن رفاعة ، له صحبة).
فالظاهر أنه والى القرن السابع الهجري لم يكن اولاد الشيخ أحمد الرفاعي ـ أو أولاد اخيه ـ قد ادعوا النسب العلوي المزعوم ، ولم تتكون العائلة الرفاعية كعائلة متميزة تحمل هذا الاسم الى ذلك الوقت بل ان الشيخ احمد الرفاعي في ذلك الزمن كان يعرف بأبن الرفاعي.
وليس هذا فحسب با نجد انَّ سبط أبن الجوزي المتوفى سنة 742هـ وابن خلكان المتوفى سنة 1281هـ لم يعرفا للشيخ احمد الرفاعي نسباً علوياً ولذلك اكتفى سبط ابن الجوزي بان قال عنه في تاريخه: (هو احمد بن علي بن احمد أبو العباس بن الرفاعي شيخ البطائحيين كان يسكن أم عبيدة) ، وقال ابن خلكان في وفيات الاعيان: (هو أبو العباس أحمد بن أبي الحسن علي بن أبي العباس أحمد المعروف بابن الرفاعي ، كان رجلاً صالحاً فقيهاً شافعي المذهب اصله من العرب وسكن البطائح بقرية يقال لها ام عبيدة). مما يدل على أن السياق العام للمؤرخين المسلمين كان بعيداً عن اقرار وجود نسب علوي للشيخ احمد الرفاعي.
ولكن يستوقفنا ماذكره صاحب (الهادي الى النسب الصيادي) حيث ذكر في كتابه ـ المنشور في الانترنيت ـ عدّة مؤلفات من القرنين السادس والسابع الهجريين قد ذكرتا النسب العلوي المزعوم للرفاعيين فكان اهمها هي:
* ابن الساعي (المتوفى سنة674هـ) ذكر في (تاريخ الخلفاء العباسيين) نسب عبد الرحيم ممهد الدولة.
* الشيخ عز الدين احمد الفاروثي (المتوفى سنة694هـ) ذكر في (ارشاد المسلمين) نسب احمد الصياد بن عبد الرحيم ممهد الدولة.
* الشيخ على الواسطي (المتوفى سنة 733هـ) ذكر في (خلاصة الاكسير) النسب العلوي المزعوم للعائلة الرفاعية.

فأبن الساعي وابن الفاروثي ـ إذا صح ما نُقِلَ في كتاب "الهادي الى النسب الصيادي" ـ يمثلان المصادر الاولى التي ذكرت ابتداع النسب العلوي المزعوم في محيط إجتماعي كان يجهل كل شي عن عائلة الشيخ احمد الرفاعي ! ابتداءاً من نسبه هو شخصياً وانتهاءاً بنسب عائلته ، غير أنَّ هذه المصادر فكانت محدودة التداول جداً بحيث لم تساعد على نشر دعوى النسب المزعوم في نطاق واسع. ولو كان الشيخ أحمد الرفاعي قد ادعى النسب العلوي لأشتهر ذلك وسمع به كبار المؤرخين الذين تجاهلوا ذكر اي شيء عن نسبٍ علوي مزعوم له كما بيناه آنفاً. ولم يكن محصوراً فقط في مصادر محدودة التداول لم يعرف اصحابها أو تشتهر سوى في عصر الطباعة الحديث.